با عرّوب.. لا أدري إن كان ذلك اسمه أم إنه تصغير لاسمه الأصلي على عادة أهل مرّاكش في نداء بعضهم بعض. إن سمعتهم ينادون أحدًا باسمه سليمًا غير معتلّ فاعرف أنه أجنبي. لا يفرح في مدينتي أحد باسمه الأصلي إلا عند كتابة شهادة ميلاده ثم ينساه إلى أن يتقدم لامتحان شهادة الابتدائية لأن أمه وخالاته وعمّاته تدعوانه باسم، وأبوه وأعمامه وأخواله يدعونه باسم، ورفاقه في الشارع باسم آخر وفي المدرسة اسم آخر... 
كلها أسماء تصغير أو تكبير تدلّ على القرب والألفة أو على حادثة جميلة أو مشينة ابتلي بها صاحب الشأن فارتبط بها اسمه إلى أن يشيخ، فقد يزول شعره وأسنانه ولا تفارقه. لا أدرى إن كانت تلك عادة مرابطية أم مصمودية أم عربية أم أي مصيبة ولكنها كذلك، سمة ثقافية راسخة في المدينة تسعد بعض الناس وتعقّد آخرين. 
با عرّوب ذلك كان عسكريًا متقاعدًا عابرًا للأزمنة لا يدري أحدٌ عمره ولا يعرف من أين أتى ولا يعرف له أهلا ولا فصلا ولا ماضيا، عاصره آباؤنا وعاصرناه نحن ولو بقينا في البلاد لعاصره أبناؤنا على الأرجح. كان قاسمًا مشتركًا يحترمه الجميع مع أنه لم يكن عنيفًا، نصف وجهه مدسوس دائمًا في قبعة عسكرية ولا ينطق إلا بكلمات قليلة عندما نحجز الملعب: "شحال أنتم؟ إمتى؟ آرى نشوف" كان يتكفّل بتنظيف ملعب الحرش الذي يدلّ اسمه على وعورة أرضيته، وهي لو تعلمون مهمة ليست هينة لأن تلك البطحاء التي أغفلها العمران بين مفترقات الطرق خلف المدارس لا تصلح لرالي فورويل، فضلا عن سيقاننا النحيلة، لولا جهد ابّا عروب لأنها كانت تنبت الحجارة كما ينبت السدر حبات النبق. وكان يتكفّل بنصب أعمدة المرمى واقتلاعها كل يوم، وإعادة رسم حدود الملعب بالجير بيديه المُجردة دون تلك الجرارات وآلات القياس التي انتشرت فيما بعد، فيأتي مستقيمًا يرضي معايير الفيفا... وكان طويل البال أمام احتجاجاتنا المستمرة على مقاسات المعلب التي حرمتنا من الفوز والقائم الذي اعوجّ لصالح الفرقة الخصم والشباك الذي لم يحافظ على كرة يقسم فريق إنها دخلت والثاني إنها لم تدخل وهكذا.. وعند الحاجة يتدخل ليفضّ اشتباكاتنا الصغيرة بيدين قويتين، المهم الرّجل كان له صبر أيوب مع عصابات من الأطفال والمراهقين الغاضبين، جيش من الذكورة الرّعناء لا يعرف كيف يهدأ... 
وفي ليالي العيدين، حين تخصّص وزارة الأوقاف بعض المساحات القليلة الناجية من الإسمنت كمصليّات لصلاة العيد، يرتقي ملعبنا إلى مرتبة مُصلى فنوقّره لبضعة أيام، ويرتقي معه أبا عرّوب حين يشرف بنفسه على عُمّال البلدية حين يرشون الملعب ويفرشون الحُصر، ثم حين يأتون لجمعها. يقول البعض إن ابّا عروب كان "مونيتورا" أي مدربًا رياضيا في الخدمة العسكرية قبل التقاعد، لكنني أظنه أنه أشاع عن نفسه هذا الماضي المُشرف درءًا لفضول الناس. 
وعلى كل حال شخصية ابًا عرّوب على فرادتها ليست قليلة في المغرب، كما سأعرف فيما بعد، ففي كل حيّ ومدينة وقرية وصف لي أصدقائي ابّا عرّوبهم، أؤلئك كانوا مهندسي ملاعب قُربنا قبل عقود من عصر ملاعب القرب، فيلقٌ من الأنفس الطّيبة التي تُسعد الناس ولا أحد يدري من يُسعدهأ.


📷 الصورة أعلاه من الخيال الخصب للذكاء الاصطناعي، كذلك فقهه