يقدم كتاب "ابن بطوطة في الصين" للمؤرخ والكاتب المغربي عبد الله العلوي نظرة ثاقبة ونقدية لرحلات الرحالة الشهير ابن بطوطة، مع التركيز بشكل خاص على مغامراته في الصين. يستكشف العلوي في هذا العمل الصادر عن دار أكورا للنشر الجوانب المثيرة للجدل والغامضة في روايات ابن بطوطة، ويسلط الضوء على التحديات التي واجهها في نقل تجاربه إلى قرائه.
يناقش الكتاب بعمق مسألة مصداقية روايات ابن بطوطة، خاصة تلك المتعلقة برحلاته إلى الصين والهند وجزر المالديف. يشير العلوي إلى أن البعد الجغرافي والاختلافات الثقافية الكبيرة بين عالم ابن بطوطة وعالم قرائه أدت إلى صعوبات في فهم وتصديق بعض جوانب رحلاته. هذا الأمر دفع ابن بطوطة نفسه إلى التأكيد مراراً على صحة ما يرويه، في محاولة لجسر الهوة بين تجاربه الفريدة وتوقعات جمهوره.
يتميز الكتاب بتسليطه الضوء على الجوانب الثقافية والاجتماعية التي وثقها ابن بطوطة خلال إقامته في الصين. فنجد وصفاً دقيقاً لمهارات الفنانين الصينيين في الرسم، وإتقانهم لصناعة الحرير والخزف، بالإضافة إلى ملاحظات حول استخدام العملات الورقية، وهو أمر كان غريباً على العالم الإسلامي آنذاك. كما يتطرق الكتاب إلى انطباعات ابن بطوطة عن نظام الضيافة في الصين وحفاوة استقبالهم للزوار الأجانب.
لم يغفل العلوي عن ذكر التحديات والمواجهات التي خاضها ابن بطوطة خلال رحلاته. فيشير إلى لقائه المثير للجدل مع شيخ الإسلام ابن تيمية، ويصحح بعض المعلومات الخاطئة المتداولة حول مدة إقامة ابن بطوطة في جزر المالديف والأدوار التي لعبها هناك. هذه التفاصيل تضيف بعداً إنسانياً وواقعياً لشخصية ابن بطوطة، بعيداً عن الصورة الأسطورية التي قد يرسمها البعض له.
يعكس كتاب "ابن بطوطة في الصين" جهداً بحثياً وتحليلياً كبيراً قام به عبد الله العلوي لتقديم قراءة نقدية ومتوازنة لرحلات هذا المستكشف المغربي الشهير. من خلال تسليط الضوء على السياقات الثقافية والاجتماعية التي عاصرها ابن بطوطة، يقدم الكتاب للقارئ فرصة لفهم أعمق لتلك الحقبة التاريخية وللتحديات التي واجهها الرحالة المسلمون في استكشافهم للعوالم البعيدة.
حظي الكتاب باهتمام كبير عند تقديمه في الدورة التاسعة والعشرين من المعرض الدولي للنشر والكتاب عام 2024، حيث أقيم حفل توقيع خاص للمؤلف. ويمكن للقراء المهتمين اقتناء هذا العمل القيم بسعر 70 درهماً مغربياً، ليكون إضافة ثمينة لمكتبة كل مهتم بتاريخ الرحلات والتبادل الثقافي بين الشرق والغرب.