في قلب مدينة مراكش، وفي قاعة دراسية تبدو عادية، حوَّل الفنان هشام بناحود الفصل إلى مسرح بصري يتجاوز حدود التعليم التقليدي. انطلاقاً من تجربته الطويلة كمدرس للفنون التشكيلية، صنع بناحود سلسلة صور فوتوغرافية تحت عنوان "الفصل الدراسي"، ليقدم من خلالها قراءة عميقة للواقع الاجتماعي المغربي عبر عدسة إبداعية حادة.
على مدار سنوات، استخدم بناحود فصله الدراسي كاستوديو مفتوح، حيث شارك تلاميذه في مشاهد غريبة ومدهشة، تتراوح بين العبث والجد، بين السخرية والقلق. لم تكن صوره مجرد توثيق للواقع، بل مسرحيات بصرية تعكس انكسارات المجتمع المغربي أمام نظام تعليمي جامد، يعيد إنتاج التراتبية الاجتماعية ويحد من طموحات الشباب. في عمل بناحود، يصبح مرآة تعكس القمع والانضباط. لكنه أيضاً فضاء يسمح بالتعبير عن الذات، حتى في ظل الشروط القاسية. الأوجه المتشابهة، الأوضاع غير الطبيعية، والأدوات اليومية التي تتحول إلى رموز، كلها عناصر تبرز فكرة تهميش الفرد أمام جماعة لا تترك له مجالاً للظهور.
عبر اختياره للأبيض والأسود، يعزز بناحود إحساساً بالتشابه والنسخ، في إشارة واضحة إلى غياب الفردانية داخل المجتمع المغربي، كما يراها الفنان، حيث يختلط الجميع في بوتقة واحدة، ويتلاشى الفرد أمام ثقل الجماعة. الفنان لا يكتفي بنقد النظام التعليمي، بل يطرح أسئلة حول الهوية المغربية في مرحلة ما بعد الاستعمار، بين التمسك بالتقاليد والسعي نحو الحداثة، وكيف يمكن للتربية أن تكون أداة تحرير أو قيداً إضافياً.
تجاوزت أعمال بناحود حدود المغرب، ووجدت صدى عالمياً في أبرز المتاحف مثل مركز بومبيدو والتيت مودرن، مما يجعل من "الفصل الدراسي" عملاً فنياً يلامس قضايا إنسانية عالمية، ويعكس معاناة الشباب في مجتمعات تفرض عليهم القوالب الجاهزة.
تحول الفصل الدراسي لدى هشام بناحود إلى لوحة سوداء تختزل هموم المجتمع المغربي، لكنها تترك الباب موارباً أمام الأمل بالتغيير عبر الإبداع. المصدر الرئيسي لهذه المادة هو الكتاب المعنون بـ "The Classroom" لـهشام بناحود (Loose Joints، 2025)، الذي يوثق سلسلة "الفصل الدراسي" ويقدم تحليلاً عميقاً لرؤية الفنان حول التعليم والمجتمع.