نعم، لم يعد الأمر سرا أو كشفا، في مراكش، حين ترتفع الحرارة، لا تعود الشمس مجرد جرم سماوي، بل تتحول إلى فيلسوف عجوز يجلس في ساحة جامع الفنا، يوزع على الناس دروسًا في الصبر، ويقنعهم أن العرق هو أسمى أشكال التأمل الوجودي. هنا، لا تقيس درجة الحرارة بمقياس زئبقي، بل بعدد القمصان التي تلتصق بجسدك قبل الظهر، وعدد الدعوات التي ترفعها سراً لمخترعي المكيفات.
في فضاء المدينة الحمراء، تتجلى الحرارة كمفهوم متعالٍ على الواقع المادي، حيث تذوب الحدود بين الذات والموضوع في بوتقة الوعي المتصاعد. هنا، لا تعود درجات الحرارة مجرد أرقام على مقياس، بل تتحول إلى تموجات في نسيج الوجود، تنبض بإيقاع الزمن المتكسر على جدران المدينة العتيقة.
الشمس في مراكش ليست ظاهرة فلكية، بل هي تجلٍ للمطلق في عالم النسبي. تتجاوز حدود الفيزياء لتصبح معادلة فلسفية معقدة، حيث يتداخل الضوء مع الظل في رقصة جدلية أزلية. كل شعاع هو سؤال وجودي، وكل ظل هو إجابة صوفية على سؤال لم يُطرح بعد.
في لحظة الظهيرة، حين يبلغ التجلي الشمسي ذروته، تنكشف الحقيقة الكبرى: أن الحرارة ليست سوى وهم يتشكل في مرآة الوعي الجمعي. المدينة بأكملها تتحول إلى نص فلسفي مفتوح، تكتبه الشمس بحبر من نور على صفحات الزمن المتعرج.
الحر هنا يتجاوز ثنائية المادة والروح، ليصبح حالة من التسامي الوجودي. في هذه اللحظات، تذوب الأنا الفردية في بحر الوعي الكوني، وتتكشف الحقيقة العارية: أن الإنسان والمدينة والشمس ليسوا سوى تجليات مختلفة لحقيقة واحدة، تتراقص في مرآة الوجود.
في نهاية كل يوم، حين تنحسر موجة الحر، لا يبقى سوى السؤال الأزلي: هل كانت الحرارة حقيقية، أم أنها كانت مجرد استعارة كونية لحالة الوعي المتسامي؟ وهل المدينة الحمراء هي التي تحتضن الشمس، أم أن الشمس هي التي تحتضن المدينة في رحم الزمن الأبدي؟